بين الحظر والفرار.. الشعب الأفغاني يعاني الخوف والحرمان من الحقوق الأساسية
بين الحظر والفرار.. الشعب الأفغاني يعاني الخوف والحرمان من الحقوق الأساسية
أربع سنوات بعد عودة حركة طالبان إلى السلطة لا يزال الشعب الأفغاني يعيش واقعاً يوميًّا يطبعه الخوف والحرمان من الحقوق الأساسية، من حظر تعليم الفتيات وقيود عمل النساء إلى حملات القمع ضد الصحفيين والنشطاء، ترصد التقارير الدولية أنماطاً مستمرة من انتهاكات الحقوق والحرمان من الحماية الأمنية، في حين تتصاعد أعداد المحتاجين للمساعدات والنازحين والعائدين تحت ضغط الطرد من دول الجوار، في خضم أزمة إنسانية شاملة تضع ملايينَ المدنيين على حافة البقاء والكرامة.
في عام 2025 وحده تَقدّر الأمم المتحدة أن نحو 22.9 مليون أفغاني سيحتاجون إلى مساعدات إنسانية للبقاء، أي ما يقارب نصف سكان البلاد، في ظل انهيار الخدمات الأساسية وقيود الوصول الإنساني، كما تشير بيانات وكالات اللاجئين إلى وجود نحو 3.2 مليون نازح داخليًا في أفغانستان بنهاية 2024، في حين يبقى ملايين الأفغان لاجئين في دول الجوار أو عائدين تحت ظروف مرهقة. وبحسب "أوتشا" فهذه الأرقام تعبّر عن عمق الانهيار المؤسسي وامتداد أثر القيود السياسية والاقتصادية في حياة الأسر اليومية وفق ما أوردته شبكة "8am.media".
قيود الحقوق الأساسية
فرضت السلطات الحالية قيوداً صارمة على حرية التعبير والتجمع والعمل للمواطنين، ولا سيما النساء والفتيات اللواتي مُنعن من التعليم الثانوي والجامعي ومن العمل في كثير من القطاعات. وتوثق منظمات حقوقية دولية تصاعد حملات القبض على صحفيين ومحتجين وإغلاق مكاتب منظمات مدنية ومنع بعض المساعدات الإنسانية من الوصول إلى مجموعات مستهدفة، وهذه الإجراءات لا تضرّ فقط بحقوق الفرد، بل تكسر شبكات المجتمع المدني التي كانت تمثل فسحة حماية للمجتمعات الضعيفة، وفق "هيومن رايتس ووتش".
أسباب هذا الواقع مترابطة، حيث استغلت حركة طالبان الفراغ بعد الانسحاب الدولي وانتهاء الوجود الأمني لدول التحالف لتثبيت حكمها بمشروع سياسي متشدد، أعيد تغليفه بقوانين ولوائح جديدة تتضمن سياسات أخلاقية وأمنية، الأمر الذي أدى إلى إعادة ترتيب مؤسسات الدولة وفق أولويات أيديولوجية لا تتوافق مع معايير حقوق الإنسان، كذلك أدى قطع أو تقنين المساعدات وتمويل المشروعات إلى إضعاف خدمات الحماية، ما أسهم في تفاقم الفقر وفقدان فرص العمل، وهجرة الكفاءات، هذا المسار له جذور تاريخية تعود إلى عقود من الحرب والنزاع التي مزقت النسيج الاجتماعي من السبعينات إلى اليوم، ما يجعل إعادة البناء أصعب من أي وقت مضى.
انتهاكات وردود فعل حقوقية
تصدرت منظمات مثل هيومن رايتس ووتش و"أمنستي" بيانات احتجاجية موثقة عن منع الفتيات من الدراسة والقيود على عمل النساء واعتقالات تعسفية للصحفيين والنشطاء، وكرر مجلس حقوق الإنسان والأجهزة الأممية دعواتهم إلى احترام الالتزامات الدولية وعدم التطبيع مع سياسات تمييزية، وحثّت على فتح آليات تحقيق ومساءلة، وطالب خبراء الأمم المتحدة المجتمع الدولي بعدم قبول سياسات تحرم ملايين الأفغان من الحقوق الأساسية واعتبروا أن أي استجابة دولية طويلة الأمد لا تراعي هذه الحقوق ستقوض شرعية الدعم نفسه وفق المفوضية السامية لحقوق الإنسان.
أفغانستان كانت طرفًا في عدد من المعاهدات الدولية، وعلى صعيد المساءلة الدولية، ثمة ملفات مفتوحة أمام النيابة الجنائية الدولية في حين خضعت البلاغات والتحقيقات إلى مفاصل قانونية ودبلوماسية معقدة، وفي المقابل، أعلنت السلطات القائمة مواقف متباينة من اختصاصات محاكم دولية ما يفاقم صعوبة تنفيذ أي ملاحقات داخل البلاد، في حين يطالب المجتمع المدني الدولي بآليات مستقلة لتوثيق الانتهاكات وتحريك المساءلة، والتباين بين الإطار القانوني الدولي وغياب الإرادة أو القدرة المحلية على تنفيذ محاسبة يجعل ضحايا الانتهاكات في حالة من الفراغ القانوني الفارق.
حظر التعليم والثقافة العامة للنساء يترجم إلى خسارة مستقبلية ضخمة تتجسد في جيل فاقد للمهارات، وشلل في قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم، وتقوض قيود حركة النساء وصول الأسر إلى الخدمات الصحية الأساسية، وتؤثر في سبل الدخل، ما يزيد معدلات الفقر والاعتماد على المساعدات، ويزيد النزوح والعودة القسرية من دول الجوار ضغوط الأسر، في حين تقل قدرة المؤسسات على الاستجابة، وهذه المعطيات لا تترك أثرًا اقتصاديا فحسب، بل تُخلف جروحًا اجتماعية طويلة الأمد في النسيج المجتمعي والثقة بين المواطنين والدولة.
السبل الممكنة للانفراج
تدعو الأمم المتحدة والجهات الحقوقية إلى حزمة من الإجراءات تشمل ضمان وصول المساعدات الإنسانية دون قيود جندرية، الضغط الدبلوماسي لرفع حظر تعليم الفتيات، وإعادة النساء إلى سوق العمل بشكل آمن، إنشاء آليات مستقلة لتوثيق الانتهاكات، وربط التعاون الدولي بمراعاة حقوق الإنسان بوصفه مؤشراً أساسياً للشرعية، كما تقترح منظمات حقوقية دعم منظمات المجتمع المدني الأفغانية ومندوبياتها في الخارج وتعزيز برامج الإيواء والحماية للمعرضين للخطر، وأي تحسّن يتطلب مزجًا مدروسًا بين الضغوط الدولية والحوار الذي يحفظ كرامة السكان ويهدف إلى الحد من المعاناة الإنسانية التي يعيشها سكان أفغانستان.
الشعب الأفغاني يواجه مركبَ أزمات متداخلة؛ ومنها قيود سياسية وحقوقية تقطع مسارات المستقبل، وانهيار اقتصادي وإنساني يترك ملايين الناس حيارى بين الاعتماد على المساعدات أو البحث عن ملاذ آمن خارجيًا، وبحسب "أوتشا" فإن أي جهد دولي أو إقليمي لا يضع السلام والعدالة وحقوق الإنسان في مقدمته سيبقى عاجزًا عن تحقيق استقرار مستدام، وتؤكد التقارير الدولية والنداءات الحقوقية أن الوقت ليس لتسوية العلاقات الدولية على حساب الحقوق، بل لحملة إنسانية وقانونية وسياسية متوازنة تضع حاجات الناس وحقوقهم في قلب الاستجابة.